بسم الله الرّحمن الرّحیم و به نستعین
و صلَّی اللهُ علیٰ محمّدٍ و آلِهِ الطّاهرین
مَؤونة السَّنةِ و اعتبارُها فِی الخمس
- تحقیقٌ حولَ مبحثِ المَؤُونة أوِ المُؤنَةِ فی الخمس و فِی اعتبار قیدِ الحَولِ أوِ العامِ أوِ السَّنةِ فیها.
- وَ بَحثُنا حولَ "المُدَّخَراتِ أوِ المُوَفَّراتِ المُستَهدَفةِ" (پسانداز هدفمند) و عدم وجوب الخمس فیها.
طالـَما واجَهَ أهلُ التحقیقِ و أصحابُ التّدقیقِ و المُتشرِّعونَ المتفحّصونَ، مُشکِلةَ اعتبارِ مؤونة السَّنة لأداء الخمس الواجب علی المکلـَّف. فعَمَدْت ُ إلی تفصیلها تعویلاً علیٰ ما أفادَهُ سلطانُ الفقهاءِ و المُحدِّثینَ، فـَصُّ خاتـَمِ العلماءِ و المحقّقین، "غوّاصُ" بـِحارِالأنوار "لِاغتنامِ" فرائدِ "جواهرِ" الأسرار، و الجالِسُ علیٰ صَدرِ سَریرِ مَجالسِ الخـُدّامِ الأخیار، "لِاکتِسابِ" مُعظَمِ "أرباحِ" "منافِعِ" العلومِ مِن "کُنوزِ" "مَعادِنِ" "أراضي" «جَنّاتٍ تَجري مِن تحتِهَا "الأنهارُ"»([1]) مِن أحادیثِ الأئمّةِ الأطهارِ (علیهِم صلواتُ اللهِ العَلّامِ الجَبّارِ) و تصفیةِ "شرائِعِهِم" مِن "اختِلاطِ" فـُضالاتِ الأوهامِ و الأفکارِ، بطهارَةِ حُکمِ الشّرعِ و الإعتبار، أعنِي العلاّمةَ محمّدباقرَ المجلسيَّ (نوَّرَاللهُ مَضجَعَهُ وأفاضَ رُوحَهُ بالفَیضِ القُدسيَّ)، في کتابهِ المُستطابِ: «مِرآة العقولِ في شرحِ أخبارِ آلِ الرَّسولِ صلی الله علیه و آله»([2]) الّذي هو شرحٌ لأفخَمِ کتبِ حدیثِ الشّیعةِ الإمامیّةِ، أي «الکافي» للشیخ الکلینيّ (أعلی اللهُ مقامَه)؛ معَ تکمیلِهِ بما جَریٰ علیٰ قلمِ هذا الحقیرِ الحائرِ في تیهِ تنبیهِ هذا العَصرِ المُظلِمِ المُعادِي (السّیِّد أحمدَ السّجاديِّ) عُفِيَ عنهُ و عَن أساتِذَتِهِ و والِدَیهِ و جمیعِ أحِبَّتِهِ یَومَ یُنادِی المُنادي.
(آمینَ ربَّ العالَمینَ)
* * *
[الحديث13 من باب الخمس و الأنفال، من کتاب الحجّة، من اُصولِ الکافي]:
«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (أی الإمامِ الباقر) علیهالسلام: الْخُمُسُ اُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَؤونَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ؟ فَكَتَبَ علیهالسلام: (بَعْدَ الْمَؤُونَةِ)
-
قالَ العلاّمة المجلسيّ قدس سرّه في شرح هذا الحدیث:
المراد بالمؤنة:
- 1: نفقة السَّنة له و لعِياله، إن كان السؤالُ عن خمس الأرباح؛
- 2: و نفقة العمل في المعدن و نحوه إن كان السؤال عن غيره، و الأول أظهَرُ.
و اعلـَمْ أن مذهب الأصحاب أن الخمس إنما يجب في الأرباح و الفوائد إذا فـَضـَلـَت عن مئونة السَّنة له و لعياله، و ادَّعىٰ عليه الإجماعَ كثيرٌ مِن علمائنا، و الأخبارُ الدالـَّة على أنه بعد المئونة كثيرة.
و أمَّا اعتبار السَّنة فقد ادَّعَوا عليه الإجماعَ([3]) و لم يَذكـُرْهُ بعضُهم و أطلـَقَ، و لم أعرف خبرًا يَدُلّ عليه صريحًاً و لعلَّ مُستندَهُم دعوىٰ كونهِ مفهومًا عرفـًا.
و ظاهرُهم أنّ المرادَ السَّنةُ الكاملةُ لا حَولُ الزّكاة.([4])
و ذكـَرَ غَيرُ واحدٍ من الأصحاب أن المراد بالمؤونة هنا ما يُنفِقه على نفسه و عِيالهِ الواجبـِی النّفقة و غيرهِم، كالضَّيف و الهَدِيّة و الصِّلة لإخوانه، و ما يأخذه الظالم قهراً أو يُصانِعُه اختیاراً([5]) و الحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة، و مَؤونة التزويج([6]) و ما يشتريه لنفسه من دابَّةٍ([7]) و أمَةٍ([8]) و ثوبٍ و نحوها. و يُعتبَر في ذلك ما يليق بحاله عادةً، فإن أسرَفَ حُسِبَ عليه ما زاد، و إن قـَتـَرَ([9]) حُسِبَ له ما نقـَصَ.
و لـَوِ استطاع للحجّ اعتـُبـِرَت نفقتـُه مِنَ المُؤَنِ.
و صَرَّح (الشّهید الأوّل قدس سرّه) في «الدّرُوس» بأنّ الدَّينَ السّابقَ و المُقارِنَ للحَول - مع الحاجة - من المؤن.([10])
و يُفهَم من «السّرائر» انحصارُ العِيال في واجب النفقة.([11])
و ظاهِرُهم أنّ ما يُستثنىٰ إنما يُستثنىٰ مِن ربحِ عامِهِ([12]) فلـَوِ استقرّ الوجوبُ في مالٍ بمُضِيِّ الحَولِ لم يُستثنَ ما تجَدَّدَ مِن المُؤَن.
و استثنىٰ بعضُهُم مؤونةَ الحجّ المندوب و الزّيارات.([13])
و لو كان له مالٌ آخَرُ - لا خمسَ فيهِ - ففِي: 1- احتسابِ المؤونة منه، 2- أو من الرِّبح المُكتسَب، 3- أو منهما بالنّسبة أوجُهٌ، أجوَدُهَا الثّاني([14]) و الاحتياط في الأوّل.
و الظاهر أنه يَجبُرُ([15]) خُسرانُ التِّجارة و الصَّناعة و الزِّراعة بالرِّبح في الحَول الواحد.
و في «الدّروس»([16]) «لو وَهَبَ المالَ في أثناءِ الحولِ أوِ اشترىٰ بغيرِ حیلةٍ (فی نسخة الاصل: بغَبنٍ حیلة ً- سج) لم يَسقـُط ما وَجبَ»([17]) و هو جَيّدٌ.
و المشهورُ أنّه يجوز أن يُعطِيَ قبلَ (مُضِيِّ) الحَول ما عَلِمَ زيادتَه على مئونة السنة، و يجوز التأخير إلى انقضاء الحول احتياطاً لإحتمال زيادة مَؤونتِه بتجدّد العوارض الّتي لم يَترَقـَّبْها.([18])
و ظاهرُ ابن إدريس([19]) عدمُ مشروعية الإخراج قبل تمام الحول.
* [الأقوالُ الثّلاثة فی ابتِداءِ السَّنةِ فی الخُمس]:
[1- اجتماعاً – للأرباح أو الأشیاء المکتسَبَة مُضافاً بعضُها إلیٰ بعضٍ طِیلةَ سَنةٍ]:
و يَظهَرُ مِن بعضِهم أن ابتداءَ الحولِ من حين الشروع في التكسّب.([20])
[2- انفراداً – لکلِّ ربحٍ أو شيءٍ بالاستقلال، و هو یقتضي تعدُّدَ السَّنواتِ الخمسیّة]:
و مِن بعضِهم([21]) مِن حين ظهور الرِّبح؛ و لو تجدّد ربحٌ في أثناء الحول كانت مؤونةُ بقيّةِ الحول الأول معتبرةً فيهما (أي: في کِلا الرِّبحَین)، و له تأخير إخراج خمس الرّبح الثاني إلى آخِر حَولِه (أي: إلی آخِر حولِ نفس الرّبح الثاني)، و يختص (الرّبحُ الثاني) بمؤونة بقية حوله (منفرداً) بعد انقضاء حَولِ [الرّبح] الأوّل، و هكذا...
[3- انضماماً – باحتساب نفسِ السَّنةِ بما اکتـُسِبَ فیها، کشیءٍ واحدٍ]:
قال بعضُ الأصحاب([22]) و الرّبح المتجدِّدُ في أثناء الحول محسوبٌ، "فيُضَمُّ بَعضُه إلى بعضٍ"، و يُستثنىٰ مِن المجموعِ المؤونةَ، ثمّ يُخمَّسُ الباقي.([23]) و لا يَخلو من قوّةٍ.(([24]
* * * * *
[2]- مِرآة العقول في شرح أخبار آل الرّسول صلی الله علیه و آله، العلاّمة المجلسی قدس سرّه، طبع دارالکتب الإسلامیّة، ج6، ص274و275.
[3]- کما قال السَّيِّد المرتضى قدس سرّه في «الانتصار» (الانتصار فيمَا انفرَدَت بهِ الإمامیّة) (ص86):
«مسألة: و ممَّا انفردت به الإمامية القول بأنّ الخمس واجب في جميع المَغانم و المكاسب، و مَا استـُخرِجَ من المعادن، و الغوص و الكنوز، و ممّا فضَلَ مِن أرباح التجارات و الزّراعات و الصّناعات "بعدَ المَؤونة و الكفاية في طول السَّنة على اقتصادٍ". دليلنا "الإجماع"، و قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (الأنفال: 41)... إلخ».
و کما قال العلاّمة الحِلّيّ قدس سرّه في «المُنتهىٰ» (مُنتهَی المطلب في تحقیق المذهب) (1/548):
«الصِّنف الخامس: أرباح التجارات و الزراعات و الصّنائع و جميع أنواع الاكتسابات و "فضائل الأقوات من الغلاّت و الزّراعات عن مُؤنةِ السَّنة على الاقتصاد"، و يجب فيها الخمس و هو قول علمائِنا أجمَعَ».
[4]- کما فی حدیثٍ عن أبي عبدِالله الصّادق علیهالسلام قال: ... (إذا دخلَ الشّهرُ الثّاني عَشَرَ فقـَد حالَ علیه الحَولُ و وجَبَت علیه الزّکاةُ) - الوسائل: الحدیث2 مِن الباب12 من أبواب زکاة الذّهَب و الفِضّة. مضافاً إلی الإجماع علیه فِی الزّکاةِ فقط. راجِع: مُستمسَکَ العُروةِ الوُثقیٰ، للسّیّد الحکیم قدس سرّه 9/94و95 (سج)
[6]- سَواءٌ کانَ قاصداً لتزویجِ مَن یتعلّق به أو لتزَوُّجِ نفسِه، ذکراً کانَ أو اُنثیٰ؛ و یُقالُ لِبعضِ مُؤَنِ تزویجِ الإناثِ: "الأجهِزَة" و هو جمعُ الجَهاز. (سج)
[7]- و في عصرنا هذا: مِن سیّارةٍ (أوتوموبیل) إذا کانَ مِن شأنِهِ رُکوبُها. بل نقول: و مِنهَا "المُوَفـَّرات أو المُدَّخـَرات المُستهدَفة" (بالفارسیّة: پس انداز هدفدار) لغرض اشتراء سیّارةٍ أو مَسکِنٍ أو دُکّانٍ أو مَتجَرٍ أو أثاثِ البَیتِ و سائر اللّوازم و العُدَدِ المُحتسَبةِ للمُستقبَل و الآتي عرفاً، تدریجاً أو دفعةً، بشرط التناسب لشأنِ مثلهِ. و هذا الأمرُ حقیقةٌ مغفولٌ عنها في کلامِ کثیرٍ مِن فقهائنا قدس سرّهم نعم، قد أشار إلیه السّیّدُ السّیستانيُّ (مُدَّ ظِلـُّه) إجمالاً في رسالته العملیّة: "منهاج الصّالحین" (المسألة1228) مع تردّدٍ. حیثُ قال: «إذا حصل لديه أرباحٌ تدريجية، فاشترى في السَّنة الأولىٰ عرصةً لبناء دار، و في الثانية خَشَباً و حديدًاً، و في الثالثة آجُرًّاً مثلًا، و هكذا... لا يكون مَا اشتراه، من المُؤَن المستثناة لتلك السَّنة، لأنه مُؤنَة للسنين الآتية التي يَحصُل فيها السّـُكنىٰ، فعليه خُمسُ تِلكَ الأعيان؛ نعم، إذا كان المُتعارَفُ لمثله تحصيلُ الدّار تدريجًاً على النحو المتقدِّم بحَيثُ يُعَدُّ تحصيلُ ما اشتراه في كلِّ سَنةٍ مِن مُؤنتِه فيها، لِكون تركِه مُنافِيًاً لِما يقتضيه شأنـُه فيها، فالظاهِرُ عدمُ ثبوتِ الخمسِ». و قد أضاف (دامَ ظِلّـُه) إلیها فی الطبعة الأخیرة: «... بحیثُ لو لم یَفعَلْ ذلک، لـَعُدَّ مقصِّراً في حقِّ عائلتهِ و متهاوناً بمُستقبَلِهم، ممّا یُنافيهِ شأنـُهُ، یُحسَبُ ما اشتراه في کلِّ سَنةٍ (تدریجاً للآتیة) مِن مَؤونتهِ في تلک السَّنة... إلخ» (ج1/ص371). و قد أجادَ فیما أفادَ هذا الفقیهُ النّبیهُ، لکنـَّه قد غـَفـَلَ عن عَدِّ مثلِ هذهِ الأمور مِن المؤونةِ مطلقاً عند العرف، مِن دون تقییدٍ بما قیَّدَه؛ مع أنـَّه لا شکَّ في وجودِ دَخـْلٍ للنِّیّاتِ فِی المَؤوناتِ، فضلاً عن العرف. فإذاً، القولُ بإطلاق عدم وجوب الخمس في "المُدَّخـَرات أوِ المُوَفـَّرات المُستهدَفة"، طِباقاً للأدلّةِ و وِفاقاً للعرف، أقویٰ و أظهَرُ. (سج)
[10]- قال الشهید الأوّل قدس سرّه فی «الدّروس الشّرعية في فقه الإماميّة» (1/259):
«و الدَّين المقدّم أو المقارن للحول، مع الحاجة إليه، من المؤونة».
[11]- قال ابنُ إدریسَ الحِلّيُّ قدس سرّه في «السّرائر» (الحاوي لتحرير الفتاوى) (1/489):
«وأمّا ما عَدَا الكنوزَ و المعادنَ، من سائر الاستفادات و الأرباح و المكاسب و الزراعات، فلا يجب فيها الخمسُ بعدَ أخذها و حصولها، بل بعدَ مُؤنة المستفيد و مُؤنة من تجب عليه مُؤنته، سَنةً هلالية، على جِهَة الاقتصاد، فإذا فضَلَ بعدَ نفقتِه طولَ سَنتِه شيءٌ، أخرَجَ منه الخمسَ، قليلا كان الفاضلُ أو كثيراً. و لا يجب عليه أن يُخرِجَ منه الخمسَ بعدَ حصولِه له و إخراجِ ما يَكونُ بقدر نفقته، لأنّ الأصل بَراءةُ الذِّمَّة، و إخراجُ ذلك على الفور أو وجوبُه ذلكَ الوقتَ، يحتاج إلى دليلٍ شرعيّ، و الشّرعُ خالٍ منه، بل إجماعُنا منعقِدٌ بغير خِلافٍ أنّه لا يَجب إلا بعدَ مَؤونة الرّجل طولَ سَنتِه، فإذا فضَلَ بعد ذلك شيءٌ، أخرَجَ منه الخمسَ، مِن قليله و كثيره. و أيضًا فالمؤونة لا يَعلمها، و لا يَعلم كمِّيَّتها، إلا بعدَ تقضّي سَنتِهِ، لأنّه ربما وُلِد له الأولاد، أو تزوَّجَ (نفسُهُ) الزَّوجاتِ، أو انهدمَت دارُه، و مَسكِنـُه، أو ماتت دابّتـُه التي يحتاج إليها، أو اشترَى خادمًا يَحتاج إليه، أو دابّةً يَحتاج إليها، إلى غير ذلك ممّا يَطول تَعدادُه و ذكرُه... إلخ». و لا یخفیٰ ضعفُ تقییدهِ المؤونةَ بواجبـِی النّفقة؛ لأنّ المؤونة أمرٌ عرفيٌّ أو مَنويٌّ، و العرفُ و النیّة یُنافیانِ التقییدَ بمثلِ هذه القیودِ، کما تقدّمَ. (سج)
[13]- و هو الشّهید الثّاني قدس سرّه فی کتابَیهِ: «مسالک الأفهام إلی تنقیح شرایع الإسلام» (1/465) و «الرَّوضة البَهیّة في شرحِ اللّـُمعَةِ الدِّمَشقیّة» (1/137).
[14]- لإطلاقِ الأدلّةِ في تعلیقِ وجوب الخمس علَی ما زادَ مِن الفوائدِ و الأرباحِ بعدَ المَؤونةِ. (سج)
[17]- یعني: لا یَسقـُط ما وجب من الخمس في ما کان فاضلاً عن المؤونة بحسَب الشّأن، بأمور ٍ منها: 1- هِبة ذلک المال لشخص آخرَ في أثناء الحَول – إذا کان نفسُ الهبة أیضًا زائدًا علیٰ شأن مثله؛ 2- أو إذا جَعل اشترائـَهُ لذلک الفاضل عن المؤونة، بتدبیر فِقدانِ الحیلة – أي: بقیدِ عدم القدرة علی التّصرّف فی المبیع – قبلَ مُضيِّ الحَول. فإنّه لا یَسقـُط الخمس الواجب بأمثال هذه التدابیر التّصَنـّـُعیّة. فإنـّه قد ارتکبَ تملـّـُکَ ذلکَ الفاضلِ عن المؤونةِ علیٰ کلِّ حالٍ و بأيِّ نحوٍ کان. و المِلکُ بنفسهِ نوعٌ مِن الغـُنمِ و الفائدةِ. فهذا کافٍ في وجوب الخمسِ فیه مطلقاً. * و أمّا فی نسخة الأصل من الدّروس، قد جاء «بغبنٍ حیلة ً» مکانَ «بغیرِ حیلةٍ»؛ فعَلیهِ تکون «حیلة ً» تمییزاً، بمثل هذا التّأویلِ: «لو وَهبَ... أو اشتریٰ بغبنٍ (أی: بخسرانٍ علیٰ نفسه)، حیلة َ جُبرانِهِ بالزّائدِ علیٰ مؤونتِهِ، لم یَسقـُط...». (سج)
[18]- أي: احتیاطاً لأمر نفسِهِ أو عِیالِهِ أو کلِّ مَن یتعلّق به مِمّن یَعنیهِ أمرُهُ أو عُنِيَ بأمورهِ، و إن لم یکن من عِیالِه أو قَرابتِهِ، کالضَّیفِ أو الأجیر أو الموظّف أو المُستخدَم الإداريّ أو التِّلمیذِ أو الصَّدیقِ الحَمیم أو أمثالِهِم، ممّن یَغتمّ المؤمن بغمِّهم و یَهتمّ بهمِّهم. و هذا أمرٌ مهمٌّ مستفادٌ مِن کثیرٍ من الأخبار، فوقَ حدِّ التّواتـُر، کما قَالَ الإمامُ المُجتبیٰ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهماالسلام: (الْقَرِيبُ مَنْ قَرَّبَتْهُ الْمَوَدَّةُ وَ إِنْ بَعُدَ نَسَبُهُ، وَ الْبَعِيدُ مَنْ بَعَّدَتْهُ الْمَوَدَّةُ وَ إِنْ قَرُبَ نَسَبُهُ؛ لَا شَيْءَ أَقْرَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ يَدٍ إِلَى جَسَدٍ، وَ إِنَّ الْيَدَ تَغـُلُّ (أی: تخونُ) فَتـُقـْطَعُ، وَ تـُقْطَعُ فَتـُحْسَمُ!) (أي: تـُکوَیٰ، لقطع سَیَلانِ الدَّم) (الکافي: 2/643).
و عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (الإمام الصّادق) علیهالسلام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله: (الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ؛ فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اللَّهِ وَ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً) و قال صلی الله علیه و آله: (مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ) وَ قال صلی الله علیه و آله: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُنَادِي يَا لَلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ) (الکافي: 2/164).
و عَنْه علیهالسلام أیضاً قالَ: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَنَعَ مُؤْمِناً شَيْئاً مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، أَقَامَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْوَدّاً وَجْهُهُ، مُزْرَقـَّةً عَيْنَاهُ، مَغْلُولَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَيُقَالُ: هَذَا الْخَائِنُ الَّذِي خَانَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ! ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ) و أیضاً قال علیهالسلام: (مَنْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ فَاحْتَاجَ مُؤْمِنٌ إِلَى سُكْنَاهَا فَمَنَعَهُ إِيَّاهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ: يَا مَلَائِكَتِي أَ بَخِلَ عَبْدِي عَلَى عَبْدِي بِسُكْنَى الدَّارِ الدُّنْيَا؟! وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي، لَا يَسْكـُنُ جِنَانِي أَبَداً!) (الکافي: 2/367).
و عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (الإمام الباقر) علیهالسلام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله: (مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَ جَارُهُ جَائِعٌ!) و قَالَ صلی الله علیه و آله: (وَ مَا مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يَبِيتُ فِيهِمْ جَائِعٌ، يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!) (الکافي: 2/668).
و رَوَی العلاّمة المجلسيّ قدس سرّه فی الْبِحَارِ، عَنْ كِتَابٍ عَتِيقٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الْفَضَائِل، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قدس سرّه - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (الإمام زَین العابدین السّجّاد) علیهالسلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ يُقَصِّرُهُمْ؟ قَالَ علیهالسلام: (نَعَمْ إِذَا قَصَّرُوا فِي حُقُوقِ إِخْوَانِهِمْ وَ لَمْ يُشَارِكُوهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَ لَمْ يُشَاوِرُوهُمْ فِي سِرِّ أُمُورِهِمْ وَ عَلَانِيَتِهِمْ وَ اسْتَبَدُّوا بِحُطَامِ الدُّنْيَا دُونَهُمْ، فَهُنَالِكَ يُسْلَبُ الْمَعْرُوفُ...) إلی أن قَالَ جَابِرٌ: فَاغْتَمَمْتُ وَ اللَّهِ غَمّاً شَدِيدًا وَ قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ؟ قَالَ علیهالسلام: (يَفْرَحُ لِفَرَحِهِ إِذَا فَرَحَ وَ يَحْزَنُ لِحَزَنِهِ إِذَا حَزِنَ وَ يُنْفِذُ أُمُورَهُ كُلَّهَا فَيُحَصِّلُهَا وَ لَا يَغْتَمُّ لِشَيْءٍ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ إِلَّا وَاسَاهُ حَتَّى يَجْرِيَانِ فِي الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ فِي قَرْنٍ (أی حبلٍ) وَاحِدٍ) قُلْتُ يَا سَيِّدِي فَكَيْفَ أَوْجَبَ اللَّهُ كُلَّ هَذَا لِلْمُؤْمِنِ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ؟! قَالَ علیهالسلام: (لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ أَخُ الْمُؤْمِنِ لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ (وَ إذاً) لَا يَكُونُ أَخَاهُ وَ (الحالُ أنـّه) هُوَ أَحَقُّ بِمَا يَمْلِكُهُ) قَالَ جَابِرٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؟!... هَلَكْتُ وَاللَّهِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! لِأَنِّي قَصَّرْتُ فِي حُقُوقِ إِخْوَانِي؛ وَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُنِي - عَلَى التَّقْصِيرِ - كُلُّ هَذَا وَ لَا عُشْرُهُ! وَ أَنَا أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى - يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ - مِمَّا كَانَ مِنِّي مِنَ التَّقْصِيرِ فِي رِعَايَةِ حُقُوقِ إِخْوَانِيَ الْمُؤْمِنِين» (بحارالانوار: ج26ص17).
* إذَنْ نقولُ: فأيُّ عُذرٍ في عدمِ صدقِ المؤونةِ علیٰ ما بُذِلَ لمثلِ هذهِ الأشخاصِ فی اجتماعِنا؟ و إلاّ فلنتأمَّلْ في صدقِ إسلامِنا و حقیقةِ دعویٰ إیمانِنا! کما مرَّ فی الحدیثِ الشّریف. (سج)
[19]- مضافاً إلی ما تقدَّمَ مِن قولِ ابنِ إدریسَ قدس سرّه قالَ بعدَهُ هکذا: «...لأنّه (أی الشّیخ قدس سرّه) و غيرُه من أصحابنا... لا يُطلِقون الوجوبَ فيها (أرباح المکاسب) وقتَ حصولِه، بل يقيّدونه و يقولون لا يجب فيها الخمس إلا بعدَ مؤونة الرّجل طولَ سَنتِه... إلخ» (السّرائر: 1/490). هذا؛ لکنّه مخالفٌ لإطلاق الأخبار في ثبوت الخمس مطلقاً في کلِّ ما غـُنِمَ و اکتـُسِبَ، مِن دون تقییدٍ بمُضيِّ الحَول علیه. نعم؛ هذا إرفاقٌ في حقّ الشّیعةِ بجواز تأخیر أداء هذا الحقّ إلی آخِر الحَول. و الإرفاق لیس بتقییدٍ للمشروعیّة. (سج)
[22]- لم نجد قائلَ هذا القولِ صریحاً في کتب فقهائنا قدس سرّهم إلاّ ما أشارَ إلیه الشهید قدس سرّه فی «الدّروس» و صاحِبُ المدارک قدس سرّه کما یأتي ذیلاً. و لکن، هذا القول هو الّذي قوّاهُ المجلسی قدس سرّه کما تریٰ و هو المختار عندنا أیضاً. و علیٰ هذا الوجه الأخیر، یجوز عندنا احتسابُ الخمس و أداؤهُ في أثناء الحَول، بل فی ابتداءِ الحَول أیضاً، قبلَ استقرارِ الوجوب علیٰ ربحٍ خاصٍّ أو شیءٍ خاصٍّ بمُضِيِّ الحول علیه؛ بل قبلَ حصولِ شیءٍ أو ربحٍ، مع العلم بالحصول مِن قبلُ. فإذن یُعتبَرُ کلُّ ما حصل فی الحول، عاجلاً أو آجلاً، کشیءٍ واحدٍ "انضماماً"؛ فلا یَلزَمُ تقدُّمُ حُکمِ وجوب الخمسِ علیٰ سببه، حتّیٰ یکونَ مُحالاً. فإنّ الأشیاءَ و الأرباحَ المُنضمَّةَ بعضُها إلی بعضٍ، فی الاحتساب، بمنزلة شیءٍ واحدٍ أو ربحٍ واحدٍ و حینئذٍ لا یُعتبَرُ فیه زمانٌ إلاّ کـُلَّ الحَولِ. و هذا أمرٌ ظریفٌ یحتاجُ إلی التدبّر و التّعمّق مِن القاري، إن شاءَ اللهُ تعالیٰ. (سج)
[23]- کما قال صاحِبُ المدارک (السّیِد محمّدُ بنُ عليٍّ الموسويّ العامليّ) قدس سرّه: «و لو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شيءٍ مِن الرّبح ثم احتسابِ الأرباح الحاصلة بعدَ ذلك إلى تمام الحول و إخراج الخمس من الفاضل عن "مُؤنة ذلك الحول" كان حسناً» (مدارك الأحكام في شرح عباراتِ شرائع الإسلام، 5/391).
[24]- و الحقُّ جوازُ الأخذِ بکلٍّ مِن الوجوهِ الثلاثةِ، لصدق اعتبار السَّنة في کلِّها عرفاً؛ و إن کان الأخیرُ أحسنَ و أوفقَ بالإرتکاز الشّرعيِّ المُستفادِ مِن مفهوم "مؤونة السَّنة".
(وفـّقنا اللهُ و إیّاکم لجمیع مرضاتِه)
(والسّلام علیکم و رحمة الله و برکاته)
لینک فایل PDF
الأحقر: السَّیِّد أحمدَ السّجّاديِّ - عُفِيَ عنه
لیلة الرّغائب/ 4رجب المرجّب 1436ق
اصفهان (3 اردیبهشت 1394ش)